بسم الله الرحمن الرحيم
مسميات بلدات و أماكن و جزر الرباطاب و أسماء النساء: عربية الأصل و سابقة للكافات النوبية الوافدة و العابرة لمنطقة الرباطاب- منطقة التكاكي قديما - بالسودان.
ابراهيم عثمان سعيد عبد الحليم
سميت منطقة الرباطاب قديما بمنطقة التَّكاكي و هو اسم لمكان وجود قبيلة الرباطاب.و ليس اسماً لقبيلة الرباطاب، و التكاكي ليست اسماً للغة بديلة للغة العربية لغة قبيلة الرباطاب. و لا توجد لغة محلية أو لغة من اللغات الساميّة او الغير ساميّة تسمى بلغة التكاكي.
و أن المقصود بتسمية اللغة العربية بلغة منطقة التكاكي هو النسبة للموقع الجغرافي. و اللغة العربية هي اللغة الوحيدة في منطقة الرباطاب و لا توجد لغة غيرها يتحدث بها شعب الرباطاب.
و عموم أهل الرباطاب السكان الأصليين ملاك الاراضي و السواقي في المنطقة و كقبيلة سودانية أصيلة و ككيان بشري يقطنون في ولاية نهر النيل بالسودان.
فلا مجال إذن لتفسير أو أي فهم للغة التكاكي على أساس أنها لغة بديلة و أن للرباطاب لغة أخرى قديمة و هجين و بمسمى آخر غير اللغة العربية؛ و حتى لا يتم إيهام المتلقي أو القارئ أو الباحث بأن أهل الرباطاب الأصليين يتحدثون بأكثر من لهجة و لغة بخلاف لغتهم العربية الأصلية كلغة سائدة بينهم و لم تتبدل أو تتغير بأخرى عبر العصور التاريخية المختلفة و التي مرت بها منطقة الرباطاب بالسودان.
فالتَّكاكي من الأسماء القديمة لمنطقة الرباطاب الواقعة بين الشلالين الخامس والرابع في شمال السودان.( ينظر : خريطة السودان القديمة المرفقة).
و التَّكاكي معناها: الطريق أو الممر أو الدرب الضيق - و هذا الوصف يتطابق مع تضاريس و طبيعة منطقة الرباطاب الجغرافية - كما ورد في عدد من المصادر الأجنبية و في بعض اللهجات المحلية في شمالي و شرقي السودان كما أشار المؤرخ و الباحث المرحوم الدكتور/ أحمد المعتصم الشيخ - من عبابسة منطقة ندى بدار الرباطاب بالسودان ( ينظر : منطقة التكاكي و الأبواب ) - .
و نخلص أيضا إلى أن منطقة الرباطاب ضاربة في أعماق التاريخ. فشعب الرباطاب ليس في حاجة لطمس اسمه و استبداله بآخر و لا لإبدال لغته العربية الأصلية بمسميات قديمة كمسمى لغة التكاكي نسبة للموقع الجغرافي أو جديدة أو بلهجات و لغات محلية أخرى و وافدة من خارج منطقة الرباطاب كاللغات النوبية و غير ذلك ، و هذا بالطبع لا ينفي تأثر المنطقة في فترات حقب تاريخية سابقة ببعض مسميات الساقية و غيرها في اللغة النوبية شأنها شأن مناطق السودان الأخرى.
فالقول بأن مسميات كل جزر الرباطاب نوبية الأصل ليس صحيحا كما و رد في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي السودانية. فهذه الفرضية تحتاج للمزيد من البحث و التقصي. فيري عدد من الباحثين أن النوبية أخذت ما يقارب النصف من مفرداتها من العربية، و تأثرت باللغات القديمة الأخرى السائدة آنذاك .
و الأصل أن مسميات جزر الرباطاب عربية الأصل و مبدوءة بكلمة (أُم) ذات المسمى و المدلول العربي و سبقت هذه المسميات مسمى الكافات النوبية الوافدة و العابرة لمنطقة الرباطاب.
و لم يبين مصدر معلومة "أن أسماء الجزر الكبيرة في منطقة الرباطاب كلها نوبية". فلمن تنسب هذه المعلومة؟ فهل تنسب إلى النوبة الذين يتكلمون اللغة الكنزية و هم : الدناقلة و الكنوز . أو تنسب إلى الذين يتكلمون لغة الفديجا و هم: السكوت و المحس و الحلفاويين و النوبة المصريين؟.
و ان كانوا الكنوز أو الفديجا، فلم توضح هذه المصادر: ما هي أسباب قدومهم للمنطقة؟ و لماذا غادروها؟ فهل قدموا عابرين أو غزاة أو تابعين لحملات غازية للمنطقة أو للجفاف و ضيق العيش في مناطقهم و بحثا عن معايش أفضل ؟
فمن هم سكان النوبه الاصليين؟ الذين تنسب لهم هذه الكافات النوبية الوافدة و العابرة لمنطقة الرباطاب؟.
(و تنقسم جماعات النوبة إلى ثلاثة عروق، أولهم وأعرقهم الفادجا وهم السكان الأصليون للنوبة، ويتحدثون لغة خاصة غير مكتوبة هي الفاديجية، أما الكنوز فأصولهم من شبه الجزيرة العربية، ويتحدثون الكنزية، وثالثهم النوبيون العرب وهم يجيدون العربية مع بعض من الكنزية والفاديجية، ولكل منهم تجمعه الجغرافي الخاص، ولكنهم يشتركون في العادات (ينظر :الموسوعة الحرة
ar...m...wikipedia...org ).
و يبدو ان فترة وجودهم كانت قصيرة و عابرة فلم يتركوا اثرا حضاريا او ثقافيا في منطقة الرباطاب، و ما تركوه من مسميات الكافات النوبية ايضا نجدها منتشرة في كل مناطق السودان.
و مما لا شك فيه أن:
أشهر المسميات النوبية التي سادت قديما في منطقة الرباطاب خاصة و في السودان عامة و اندثرت حديثا هي أجزاء الساقية و ليست اسماء الاماكن و البلدات و الجزر بمنطقة الرباطاب. فالساقية وصلت للسودان من مصر في القرن الثاني الميلادي.
و مسميات الساقية أصلها نوبي فكانت وسيلة ري قديمة وافدة من بلاد النوبة في شمال السودان، و هي آلة خشبية و مسميات كل أجزائها نوبية. و كانت الساقية تدار بجوز من الثيران. و أيضا مسميات أدوات الزراعة و قنوات الري في الساقية كلها نوبية.
(الساقية انجاز فارسي أوصله الرومان لوادي النيل
و الساقية ساعدت في استيطان النوبة في مناطقهم في العهد المروي و البلطمي. ينظر وليامز : ويليام ي. أدمز ،كتاب النوبة رواق إفريقيا) .
و من ثم طور النوبيون الساقية و أوصلوها و اصطحبوها معهم في عبورهم و هجراتهم لمناطق شمال و أواسط السودان.
و الثابت ان قبائل الكنوز و الفديجا ليست من عناصر السكان المكونة لنسيج مجتمع شعب الرباطاب المحلي عبر التاريخ باعتبارها قبائل و مجموعات سكانية وافدة و عابرة للمنطقة .فعامل اللغة كان من معوقات عدم استقرارها بمنطقة الرباطاب بالسودان.
و الرباطاب و منذ القدم يبداون الكثير من أسماء النساء و الاماكن و خاصة الجزر بكلمة (أُم) السابقة لبدايتها مسميات الكافات النوبية الوافدة، و مرجعيتهم الاصول العربية و ليست الكافات النوبية. و الرباطاب في لهجاتهم و لغتهم العامية من اقرب الشعوب تحدثا باللغة العربية الفصحى.
و كثيرا من مثل هذه الكلمات في القرآن الكريم و لا نتحدثها إلا نحن السودانيين و نستخدمها بكثرة و خاصة في دار الرباطاب بالسودان.
و أيضا كمثال كلمة أُم. فنجد الاستخدام لكلمة أُم ذات المسمي و المدلول اللغوي العربي اشتهرت به اسماء مكة المكرمة و من اسمائها على سبيل المثال : (في القران الكريم ام القرى). قال تعالى: )وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا(الشورى: من الآية 7). و في غير القران الكريم من اسمائها أُم رحم، أُم راحم ، أُم صبح ، أُم كوثي، أُم روح،.... و غيرها .) .(ينظر :د. ابراهيم عثمان سعيد ، التطور العمراني و الاجتماعي في منطقة مكة المكرمة، أطروحة دكتوراة).
-و من اسماء النساء ( تبدا بأُم المسمي اللغوي العربي) في منطقة الرباطاب: أُم الحسن ، أُم الحسين، أُم أبوها ، أُم حطيم، أم الشيخ، أم قزاز، أم قديم ، أم دوكة، أُم حقين، أُم رخام، أُم بخت، أُم الكرام، أم طبول، أُم سور، أُم النصر، أُم جديه .... و غيرها.
- و نلاحظ في منطقة الرباطاب أن أسماء الكثير من الجزر ( تبدا بام المسمي اللغوي العربي) و هذا السائد في المنطقة و اما الاسماء التى تبدا بالكافات النوبية فهى محدودة و وافدة على المنطقة فالأصل النسبة الى (أُم) المسمي العربي و ليس الى الكافات المسماة نوبية . و على سبيل المثال أسماء جزر الرباطاب:
أُم عشير، أُم حجير، أُم جديدق، أُم جداد، أُم شعاف، و أُم صويحات، أُم سيمق، أم تمر، أم شبال، أُم توريق، أم جضيمات، أُم سقرة، و أُم بقر، أم دوينيب، أُم جرار، أُم قطن، أُم معيقل.... و غيرها.
-و من أسماء الأماكن المنتشرة في دار الرباطاب و مبدوءة بام المسمى اللغوي العربي :
امكي أُم مكي ، أُم غدي ، أُم مردي، أُم عقارب ، أُم ضحيان، أُم سفاية، أُم عجيجة، أُم عريف .... و غيرها.
و خلاصة القول:
و مما لا شك فيه، فإن منطقة الرباطاب قد تأثرت كغيرها من المناطق السودانية ببعض الأسماء و المعاني القديمة العابرة و الوافدة عبر تاريخها و لكنها ليست أصلا في الموروث الثقافي و اللغوي و الحضاري لمنطقة الرباطاب و أهلها، و خاصة الكافات النوبية المرتبطة بأسماء و معاني جغرافية نجدها في كل مناطق السودان و ليست حصرياً على منطقة الرباطاب السائدة فيها اللغة العربية كما أشار عدد من الباحثين.
و يقول د. عبد المنعم عجب الفيا ( مع د. خالد محمد فرح سودانايل - مقال):
(والثابت أن لا أحد من الباحثين نوبة أو غير نوبة، يجادل في حقيقة التأثير المتبادل بين النوبية والعربية. فقد استقر رأي الباحثين على أن النوبية أخذت 30% من مفرداتها من العربية. (تريمنجهام ص 43). ومن خلال النظر في معجم آرمبروستور للغة النوبية الدنقلاوية ( باللغة الانجليزية) وجدنا أن هذه النسبة صحيحة. ومن أبرز ما لفت نظرنا أن النوبية استعارت، أعداد الحساب وأيام الأسبوع من العربية.
والاستاذ فؤاد عكود نفسه - وهو الباحث النوبي السوداني- يثبت في كتابه (من ثقافة وتاريخ النوبة) تاثر النوبية بالعربية حيث يقول :"بالتاكيد فان اللغة النوبية .. أخذت من العربية كلمات كثيرة، كما تاثرت في الماضي باللغات المصرية القديمة والمروية والحبشية والقبطية" ص 34).
فلذا نجد غالبية الأسماء التي تبدا بهذه الكافات منتشرة في معظم مناطق السودان و ليست حصرياً على منطقة الرباطاب ( التكاكي الاسم القديم ). و منها فعلى سبيل المثال:
( كدرمه و كجنقيلي في مقرات بالرباطاب ) و ( كرو عند الرباطاب و الشايقية ) و كرقس في منطقة الرباطاب و الجزيرة كرقوسي عند الجعليين ) .
و (كندو اسم و لقب موجود في مناطق الرباطاب و الجعليين ، الجزيرة ، البطانة ، و كردفان) .
و ( كادوقلي ، كاوده، و كاتشا في جبال النوبة).
و في مصر ( كبان و كلبشة) ، و غير ذلك.
و يرى د. احمد المعتصم أن الأسماء المبدوءة بحرف الكاف في منطقة التكاكي - منطقة الرباطاب قديما - فلا هي لغة عربية و لا نوبية و لم يقل هي لغة مروية و لكنها موجودة قبل وصول النوبة للمنطقة و ربما بالبحث أراد الوصول الى نعتها باسم لغة التكاكي و التي سبقت اللغة النوبية في منطقة الرباطاب -فنرى و منعا للبس التكاكي اسم قديم لمنطقة الرباطاب في كتابات د. احمد المعتصم رحمه الله، و ليست لغة للرباطاب فلغتهم الاصلية فهي اللغة العربية - .
و له أيضا د. احمد المعتصم مقاربات بين أسماء الحيوانات في منطقة التكاكي و منطقة النوبة مثلا فرس البحر العيست و العينست و التمساح الدود و غير ذلك ،( ينظر :موقع أرض النبال بلاد كوش ) . .
و لذا فلا يمكن الجزم بأن كل الأسماء المبدوءة بالكافات في منطقة الرباطاب فكلها نوبية لان اللغة العربية أخذت الكثير من الكلمات النوبية في المنطقة و بالمقابل توجد الكثير من الكلمات العربية في اللغة النوبية .
هذا و قد بحث الكثير من أبناء المنطقة و عدد من الباحثين كما ذكرنا آنفاً، في علاقات اللغة النوبية باللغة العربية في منطقة الرباطاب ( التكاكي ) .و عموما هذه الكافات جديرة بالبحث و الدراسة .
فلابد اذن من اعادة النظر في نسبة العديد من أسماء بلدات و أماكن و جزر الرباطاب المبدوءة بالكافات المنسوبة للغات النوبية و التي بدورها تأثرت كثيرا باللغة العربية و غيرها من اللغات آنفة الذكر و إعادتها إلى أصولها بالمزيد من البحث في هذا الشأن .
و يشار إلى ان معظم الذين كتبوا عن تاريخ منطقة شعب الرباطاب بالسودان فهم من خارج المنطقة و استندوا في كتاباتهم المقالية و البحثية على مصادر معلومات أجنبية غير دقيقة و مشكوك في صحتها و سماعية و من رواة من داخل و خارج المنطقة و خاصة فيما يتعلق بالجوانب الاجتماعية و الأنساب و أسماء البلدات و الأماكن و الجزر بالمنطقة، و نقلها مؤ رخون و رحالة أجانب إنجليز و غيرهم من الجنسيات الأوروبية الوافدة و العابرة لمنطقة الرباطاب . و مثل هذه المعلومات التاريخية و التوثيقية المهمة: تستوجب المراجعة و التحقق من ذوي الاختصاص في تاريخ السودان عامة و تاريخ شعب الرباطاب خاصة.
ابراهيم عثمان سعيد عبد الحليم
مدونة عتمور الإلكترونية السودانية
🔴 الخريطة تبين موقع منطقة التكاكي - الاسم التاريخي القديم لمنطقة الرباطاب - بين الشلالين الخامس و الرابع. و مواقع الشلالات الستة على النيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق