إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الصفحات

مقدمة ... من الأدب الشعبي في منطقة الرباطاب بالسودان ( 5 )

مقدمة كتاب 
 من الأدب الشعبي في منطقة الرباطاب بالسودان
الشاعر مصطفى الحاج موسى 
حياته ونماذج من شعره
دراسة تحليلية جمع و إعداد 
إبراهيم عثمان سعيد عبد الحليم 
فبراير 1989م
للرباطاب أدبهم الخاص ، والذي يمكننا من خلاله التعرف على سبل حياتهم وعاداتهم وتقاليدم و أخلاقهم. 
فأدب الرباطاب يشمل أمثالهم و حكمهم و نوادرهم و طرائفهم و أخبارهم وضروب شعرهم المختلفة، وخاصة شعر السخرية و التندر من التصرفات وغرائب الأشياء و الأحداث، التي تخرج عن ما هو  مألوف و سائد  في المنطقة. 
و قد تطرق الكثير من الباحثين للجوانب المختلفة من أدب الرباطاب، و ذكروا الكثير من أخبارهم، ومنهم على سبيل المثال: د. عبد الله علي إبراهيم و الطيب علي أبو سن وغيرهم. 
و لطالما نحن بصدد الحديث عن أحد شعراء منطقة الرباطاب، فقد سبقه شعراء آخرون، منهم على سبيل المثال:
عبد الحفيظ محمد أحمد، الحسين ود الحاج، ست النفر بت الحاج، أحمد عمر الرباطابي، عثمان الحاج الحسن الكليباوي و ابنه الحاج، والبشير عمر وغيرهم. و من الشعراء الذين عاصروا الشاعر مصطفى الحاج موسى، نجد ود فريعة، وإبراهيم دقاق   و آخرين. 
و يعتبر الشاعر مصطفى الحاج موسى امتدادا لهؤلاء الشعراء، وخاصة في مجال شعر السخرية و التندر، بل تطرق لجوانب أخرى، مثل الشعر السياسي، وشعره في البلدان والأماكن والجهات بالمنطقة و خارجها، وكذلك برع في شعر المناسبات.
و أما في مجال الغناء - لكونه بدأ حياته فنانا شعبيا - فسبقه في هذا المجال بمنطقة الرباطاب، بشير محمد خير ( بشير الرباطابي)، وعبد الرحيم ود أب جاره، وعاصر من فناني منطقة الرباطاب، أحمد عمر الرباطابي،وعبد الدائم الحاج عيسى،ومحمد عبد الباقي
. و امتدت مسيرة الغناء والفن الشعبي في منطقة الرباطاب حتى جيل اليوم ومنهم:
فتح الرحمن الوقيع، و الأمير عثمان، و أحمد حسن الحاج، و كمال الطرفاية، وعبد الرحيم عبد الحفيظ الدامر  و خرساني بخيت ...  وغيرهم. 
و قد قمت بجمع نماذج من شعر الشاعر مصطفى الحاج موسى، تحت عناوين ومضامين ومعاني جاءت في قصائده، و تحتوي هذه النماذج على قصائد في: شعر السخرية والتندر، شعر الغزل الذي ضاع أكثره، شعر الأمنيات وهي مجموعة قصائد يتمنى فيها الشاعر لقريته عتمور ولقرى أخرى بالكثير من الأمنيات بعضها تحقق والبعض الآخر ليته تحقق، حتى تلحق هذه القرى بركب المدنية و الحضارة والتطور، وكذلك أثبت له قصيدتين من شعر الرثاء، واحدة منها في رثاء العمدة محمد ود بيناوي عمدة عمودية عتمور بدار الرباطاب، والثانية في رثاء عميد المزارعين محمد علي مصطفى من أعيان عتمور أم غدي ، بينما لم أجد بالبحث القصيدة التي قالها في رثاء  سلمان أبو حجل ناظر عموم قبيلة الرباطاب في السودان. و أما في مجال المدح فقد أثبت له عدد من القصائد، وكان الشاعر لا تأتي مناسبة في منطقة الرباطاب عامة وفي عتمور خاصة إلا وقال فيها قصيدة مخلدا و ممجدا تلك المناسبة، و في شعر المناسبات كما أسميته، سجلت له عدة قصائد، وكذلك هنالك أماكن و جهات في منطقة الرباطاب و غيرها، لها وقع خاص في نفس الشاعر  وله ذكريات خاصة فيها، أثبتها في هذا الكتاب تحت عنوان شعره في بعض الأماكن والجهات والقرى، وفي هذا المجال كتب عددا من القصائد في عدد من القرى منها: 
عتمور، أم غدي، العبيداب، وقرية ود باشكار في الجزيرة مدني ريفي طيبة وغيرها .
وتفرد شاعرنا مصطفى الحاج موسى عن سائر شعراء منطقة الرباطاب، بطرقه لمجال الشعر السياسي، وله عدة قصائد في هذا المجال منها: 
قصيدة في مدح السيد الزعيم / اسماعيل الأزهري، و في مدح الشريف حسين الهندي، وفي مدح السيد/ محمد عثمان الميرغني بعد توقيعه على اتفاقية السلام في أديس أبابا عام 1988م، وقد نشرت بعض قصائده في جريدة العلم، وفي بعض كتب السادة الميرغنية بالسودان، و خاصة قصيدته في رثاء السيد/ علي الميرغني - زعيم طائفة الختمية في السودان - فهي موجودة في كتاب السفر الغني في شعر الميرغني. 
و اعتمدت في جمع مادة هذا الكتاب والخاصة بالشاعر مصطفى الحاج موسى، على ذاكرة الشاعر و روايته في مقابلاتي الشخصية معه  والتي قمت بتسجيلها صوتيا و منه مباشرة ، خاصة وقد حباه الله بذاكرة قوية وذكاء فطري،و كان يقوم بحفظ كل قصائده تقريبا، عدا القصائد التي كان يقوم بغنائها في فجر شبابه، و بتركه للغناء أهمل تلك القصائد المغناة، و اتجه لكتابة الشعر وحفظه، وكذلك اعتمدت  في جمعي لهذه المادة أيضا على بعض ما سجله الشاعر في دفاتره الخاصة ، وكذلك من بعض تسجيلاته الصوتية  والتي تحصلت على أصولها من بعض أصدقائه  و أقاربه. 
و التقيت بالشاعر مصطفى الحاج موسى عدة مرات في لقاءات مباشرة رتبت لها خصيصا لجمع مادة هذا الكتاب بحي العرب بأم درمان بالسودان بمنزل الوالد علي الكدب - خالي فهو  الأخ الأكبر لأمي زينب الكدب اللهم أرحمهما جميعا و ادخلهم جنة الرضوان - وكان ذلك في مطلع عام 1989م، وكتبت وسجلت منه الكثير من النصوص الأصلية لقصائده التي وردت في هذا الكتاب و كان يقوم بمهمة التسجيل الصوتي لهذه المقابلات ابن خالي إبراهيم علي محمد أحمد الكدب أبو أمين.( مقابلاتي مع الشاعر مصطفى الحاج موسى يناير 1988/ فبراير 1989م)
وعند تفريغي لمادة هذا الكتاب، واجهتني مشكلة عندما بدأت في مرحلة الكتابة منتقلا من مرحلة الصوت ، و وجدت الكثير من المفردات العامية تسود في منطقة الرباطاب. 
و الرباطاب كغيرهم من القبائل الأخرى، لهم الكثير من المفردات العامية الخاصة، و تختلف عندهم التسميات و المسميات من منطقة لأخرى في دار الرباطاب، وكذلك عرف الرباطاب بالإمالة ، و حذف أواخر الكلمات، كما بدلوا و غيروا في الكثير من حروف الكلمات عند النطق بها سوى كان ذلك حذفا أو إضافة.
و كثيرا ما تواجه الباحثين عن التراث و الأدب الشعبي في منطقة الرباطاب  هذه المشكلة وهي مرحلة الإنتقال من مرحلة الصوت إلى مرحلة الكتابة والتدوين، وقد أوردت أمثلة لذلك منها: 
حرف القاف:
 ينطق كافا مثل كلمة القتل ( والكتل أم قرين المولى ما بيغفرلو).   
حرف الذال:
 يستبدل دالا مثل كلمة أخذت ( أخدت ). 
حرفي الذال والظاء:
 يستبدلان ضادا مثل الكلمات الذنب، العظم، و ظهيرو ( الضنب، العضم، ضهيرو).
حرف الطاء:
يستبدل تاء مثل الكلمات الصعوط، أب خطوط، و الخرطوم ( الصعوت، أب ختوت، الخرتوم).
حرف السين:
 يستبدل  صادا مثل كلمة السوط ( الصوت ).
حرف الثاء:
 يستبدل تاء مثل كلمة الكثير ( الكتير).
حرف الجيم:
 يستبدل دالا مثل كلمة ( الشدر).
حرف الكاف:
 يستبدل قافا مثل كلمة الشريك ( الشريق).
حذف حرف الدال:
 مثال حذف حرف الدال من آخر كلمة عند  ( تبقى إدارتو عن عرديب).
و عرف الرباطاب أيضا بالإمالة في كلامهم، فهم يضيفون ياء لحرفي اللام والباء مثلا : 
( بي قبل ) و ( لى عند ) ، و أتوا بالياء للإمالة، وكلمة بي قبل  أصلها ( بقبل) أي بالقرب من . و كلمة ( لى عند) أصلها لعند أي حتى  أو إلى .
ولهم في دار الرباطاب بعض المفردات الخاصة والتي تستخدم كثيرا في حديثهم اليومي مثل كلمة ( بطرا ) وتعني بتذكر. وكلمة ( جم ) وتعني بجوار أو بجانب أو بالقرب من. وكلمة ( دا ) وتعنى هذا . وكلمة ( دي ) و تعني هذه. وقس على ذلك ( ديك وداك).
وتسهيلا لمهمة المطلعين على هذا البحث قمت بشرح الكثير من هذه المفردات والكلمات في هوامش القصائد إن وجدت. 
و أما التنوين فكتبته دون أي تغيير فيه. وكذلك  وجدت في أدب وشعر الرباطاب الشعبي ، أنه عند كتابة الهاء المربوطة لا بد أن تثبت واوا ، ويلاحظ كثرة هذا الاستعمال في شعر الرباطاب عموما ومثال ذلك مثلا في شعر  الشاعر مصطفى الحاج موسى: 
الليلة الرجال في عرفه طافوا وصلوا
و الكتل أم قرين المولى ما بيغفرلو 
ومثال ذلك في شعر الشاعر عبد الحفيظ محمد أحمد:
اكسير أم عقارب قلعو كلو
و نبت عود الخراب قام في محلو
و يمكن ملاحظة أن كلمة ( له ) دائما تنطق في عامية الرباطاب ( ليهو ) وأثبتها في هذ البحث مكتوبة كنطقها عند الرباطاب، وفي مواضع أخرى أثبتها واوا مثل كلمة ما بيغفر له  ( ما بيغفرلو).
و لا بد من الإشارة إلى أن أهم اللغات المتعارف عليها في دار الرباطاب هي لغة التحدث بالعيون وبالإلتفاتة وبالإشارة وهذه اللغة من أصعب اللغات التي تحتاج إلى دقة في الوصف والتصوير ، وإلى  حصافة ونباهة ولباقة وذكاء فطري لا تجده إلا في دار الرباطاب كما أشار إلى ذلك الكثير من الباحثين عن القبائل السودانية.
و أما مناسبات القصائد التي وردت في هذا الكتاب إن وجدت ، فقمت بكتابتها و الإشارة إليها في أسفل الهامش كما هو معروف، وكذلك ذكر لي الشاعر أن هنالك أشخاصا قد تحرجوا كثيرا من ذكر أسمائهم في بعض القصائد، و بناء على رغبته وحتى لا نقوم بإحراج أي شخص - فهو شاعر مرهف الإحساس - فقد قمت بوضع خط في مكان الاسم المحذوف، و وضعت نقاطا متصلة في مكان الكلام المحذوف والذي اعتقدت أنه يسبب حرجا أو لا  يليق بشخص بعينه كما أشار الشاعر بذلك. 
و أما الأسماء الكثيرة والتي ذكرها الشاعر مصطفى الحاج موسى في الكثير من قصائده، فهي أسماء لأشخاص في منطقة الرباطاب  ومن خارجها، و أكثرهم من معارفه وأصدقائه و أقاربه، إلا أنني لم أتعرض لأسماء هؤلاء الأشخاص تفصيلا وبذكر أسمائهم كاملة ، إلا  الأشخاص الذين اعتقدت أن لهم أدوارا معروفة ومشهودة في المنطقة، ويعرفهم الكثير من الناس، وقد أوضحت وأشرت إلى مثل هذه الأسماء وذكرتها تفصيلا وكاملة وفاءا و تقديرا و عرفانا بالجميل وذلك لما قدموا من أعمال خلدت بها أسمائهم في سبيل إعلاء ذكر منطقة الرباطاب والنهوض بها.
وهذا البحث - كتاب من الأدب الشعبي في منطقة الرباطاب بالسودان الشاعر مصطفى الحاج موسى حياته ونماذج من شعره  دراسة تحليلية جمع و إعداد إبراهيم عثمان سعيد عبد الحليم فبراير 1989م - لا يعني بأنني قد أوفيت الرباطاب حقهم، ولكنني ساهمت كغيري من الباحثين بجمع القليل من أدبهم وشعرهم الشعبي، من خلال الشاعر مصطفى الحاج موسى ، والذي أدرك أن  له  الكثير، ولعلها إشارة لدراسته من قبل ذوي الإختصاص في هذا المجال.
فالرباطاب لهم عاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم ونوادرهم وأمثالهم ، ولهم الكثير من الشعراء جديرون  بالبحث والدراسة، وأخص منهم على سبيل المثال: 
الشاعر عبد الحفيظ محمد أحمد، والشاعر الحسين ود الحاج، والشاعرة ست النفر بت الحاج ، والشاعر الفنان أحمد عمر الرباطابي، وغيرهم ،  فأشعارهم جميعا جديرة بالبحث والدراسة.
و لابد من الإشارة إلى أن مادة هذا الكتاب جمعت حتى 8 فبراير 1989م، و قد ذكرت الكثير من الأشخاص الذين كانوا بيننا حتى ذلك التاريخ، ورحلوا عن دنيانا الفانية بعد هذا التاريخ المشار إليه واسأله تعالى أن يتغمدهم بواسع رحمته وأن يدخلهم جنة الرضوان. 
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
abdulhaleamibrahim@hotmail.com
Facebook.com       Ibrahim Osman        

  
       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق